مقالات داخليّة

تساؤُلات في حضرة المرأة، لتمكينها

 

بسم الله الرحمن الرحيم

تساؤلات في حضرة المرأة، لتمكينها

الدكتور أحمد الشامي

 

المُقدِّمة

يلحظ المُتابع لمسار قضايا المرأة وتمكينها، سيّما خلال العقود الأخيرة، كم يثير في حَراكه المُتصاعد من إشكاليَّات وموضوعات جدليّة، سواء على المستويين العالمي أو الإسلامي، وبأبعاد نسويّة كانت أو غيرها.

هنا، يجدر التسليم بما أحدثه هذا الحراك من نقلة نوعيّة وعالميّة في مقاربة هذه القضيّة الإنسانيّة المُحقّة، إذ ليس من عاقل لا يدعم إحقاق المرأة وإنصافها، بوصفها نصف المجتمع والمعنيّة بصناعة النصف الآخر، وكم كان الإمام الخميني(قده) موفّقًا في تشخيصه المميّز لمكانتها حين جعلها إلى جانب القرآن (الرسالة) في مهمة صناعة الإنسان (الخليفة). وبالتالي، يصبح تمكينها أمرًا لازمًا وبديهيًّا كي تؤدّي تكليفها الإلهيّ على أكمل وجه.

إنّ ما جعل من مسألة تمكين المرأة ذات بعده إشكاليّ، هو جملة من الموضوعات التي يجدر عدم تجاوزها في سياق تفعيل النقاش الموضوعيّ والهادئ بحثًا عن مساحة مُشتركة تلتقي فيها النيَّات الصادقة للأخذ بالوعي البشري -على مدى المعمورة- نحو التحرّر من موروثات خاطئة من جهة، ومن أدبيَّات انفعاليَّة وقاصرة من جهة أخرى، لما يُحدِثه كلّ منهما من إرهاق للمجتمعات وإعاقتها عن سيرها التطوّري نحو عالم يخلو من الظلم وتسوده العدالة.

على الرغم من تعدّد الإشكاليَّات التي تُطرح في هذا المجال، فإنّ هذه المقالة ستصوّب نحو ثلاثة منها، تعدّ بمثابة أخطاء كبرى تُرتكب تحت لافتة الأدبيَّات العالميَّة لتمكين المرأة، والتي حرَّفت القضيَّة عن هدفها الإنسانيّ، ما اقتضى تصويبها، كمدخليَّة لازمة للتأسيس لهذه المساحة المُشتركة من التلاقي بين ذوي النيَّات الصادقة لخير المرأة والحياة.

 

الخطأ الأول

يبدو جليًا، حينما راحت أدبيَّات التمكين المطروحة عالميًا تَحفر في وعي المرأة على وجه التحديد، بتنميط علاقتها بالدين بين حدّي الالتباس والعِدائيَّة. فالله الخالق-بحسب هذه الأدبيات- هو من أسّس للتمييز الجنسي حين جعل من المرأة في رتبة دونيّة عن الرجل، وأنّ التشريعات التي فرضها ليست لصلاحها وإنّما لصلاح الرجل ومنفعته.  

صحيح أنّ تلك الأدبيَّات قد استعانت بوقائع من التاريخ ومن أفكار انحرافيَّة تضليليَّة لا يزال البعض ممن يعتدون على الدين بتنصيب أنفسهم– زورًا- رجالاته، يعملون على تأكيدها بوصفها حقائق، ولكن الذي يفرض نفسه هنا، أنّه فيما انبرى رجال فقه وفكر صالحون-وما أكثرهم- لتبيين أنّ هذه الأفكار والسلوكيَّات لا تمت إلى الدين بصلة، يُلاحظ حجم الإصرار على تظهير دُعاة الفكر الانحرافيّ بتوفير المنابر ومِنصات الميديا لهم، بينما بالمقابل يُعمل على تهميش دعاة الإصلاح والتنوير ومحاصرتهم.

 

الخطأ الثاني

حينما راحت تلك الأدبيَّات تحفر في وعي المرأة عبر تنميط علاقتها بالرجل على مستوًى عالٍ من النديّة، وكأنّ الحياة هي ساحة صراع لا تكامل بين جنسي النوع البشري. وفيما التقائهما البيولوجيّ حتمي لاستمرار الإنسان كنوع، والتقائهما الروحي والنفسي ضروريّ لبناء الإنسان السَوِي كفاعل ومُنتج في الحياة، تذهب تلك الأدبيَّات لتسخيف تلك الحقائق الطبيعيَّة التكوينيَّة وتنزيلها إلى رتبة الموروثات الاجتماعية التي يجب تجاوزها.

وهنا، لم يكتفِ دعاة هذه الأدبيَّات الاستعانة بأفكار وسلوكيَّات خاطئة ليست على صلة بالطبيعة والفطرة الإنسانيَّة وإن كان لها جذور عميقة في الوعي الجمعي، بل يذهبون إلى التمرّد على نفس الطبيعة الإنسانيَّة، مُستعينين بذلك، على ما سَلكته البشريَّة من مسارِ تصاعديّ حين راحت تُطوّع الطبيعة بشكل عامّ لما يعود بالمنفعة على الإنسان.

فالمسألة الجوهريّة تكمن في التحديد الدقيق لمنفعة الإنسان، ولمّا راحت تصوّب نحو أهميَّة تحقيق وتعزيز فرديّته في الحياة، صار من الضروريّ أن يتزاحم كلّ من الرجل والمرأة في توافر ما يعود بالنفع على أيّ منهما بمعزلٍ عن الآخر، حتى لو بلغ بينهما حدّ الصراع، إحداث تصدّعات في البنى الاجتماعيَّة –الأسرة كنموذج أساس- والذي بدوره أصاب البُنى النفسيَّة باعتلالات تبدو ظواهرها أكثر وضوحًا وإيلامًا.

 

الخطأ الثالث

حين أُوكِل إلى منظمة الأمم المتحدة مهمّة عولمة وقوننة الأدبيَّات الغربيَّة حول تمكين المرأة، فقليلة هي القضايا التي حظيت –ولا تزال- بدعم هذه المنظّمة واهتماماتها، كالتي حظيت به مسألة المساواة الكليّة بين المرأة والرجل. وبذلك تمّ إدخال مطلب إنصاف المرأة وتمكينها -بوصفه مَطلبًا إنسانيًّا جامعًا- في بازار الصراع الثقافيّ عبر الاستعانة بالغلبة السياسيَّة والعسكريَّة والاقتصاديَّة.

فمن السذاجة العمل على تجاوز أو التغافل عن الحقيقة بأنّ هذه المنظمة التي نشأت عقب انتهاء الحرب العالميَّة الثانية 25 نيسان 1945 إنّما عكست بأهدافها وسياساتها ما خرجت به هذه الحرب من توازنات على مستوى العالم. فالأدبيَّات التي هي وليدة المجتمع الغربيّ وظروفه، راحت هذه المنظمة الدوليّة تعمل لإخراجها من نطاقها الجغرافيّ المحدّد إلى النطاق العالميّ، بهدف عولمة قيمها ومبادئها ومطالبها[1].

إذ ليس من باب الصدفة أن تُطلق هذه المنظّمة إعلان ميثاق أمميّ عن مبدأ المساواة الكليّة بين الجنسين بوصفه حقّ أساس من حقوق الإنسان 24 تشرين أول 1945، وذلك بعد مرور بضعة أشهر على ولادتها، وهي منذ ذلك التاريخ، تجهد لوضع استراتيجيَّات ومعايير وبرامج تحت لافتة تمكين المرأة [2]، بهدف فرض رؤية ثقافيَّة معيّنة غير آبهةٍ بالثقافات الأخرى.

 

خاتمة القول:

تسوّغ ثلاثيّة الأخطاء هذه مشروعيَّة طرح جملة من علامات الاستفهام: فأيّ مصلحة للمرأة وللمجتمع في تعميق العلاقة المُلتبسة بالدين؟ أليس تحرير الدين من الموروثات الانحرافيَّة هو عامل قوّة ودعم لمطلب تدعيم مكانة المرأة؟ إلّا إذا كان البعض يُحسنه بقاء هذه العلاقة الملتبسة لا لأجل صلاح المرأة وخيرها، وإنّما لموقف راديكالي من الدين بذاته. كما أنَّ أخذ المرأة نحو علاقة ندّيَّة مع الرجل ألا يعدّ الوجه الآخر للنزعة الذكورية المتطرّفة؟ ولماذا هذا الإصرار على استبعاد منحى العلاقة التكامليَّة بينهما؟ وأخيرًا، كيف يمكن للمرأة أن تنعم بالاستقرار حين وضعها كقضيَّة خلافيَّة وسط هذا الاحتدام المتنامي عالميًا على جبهاته الثقافيَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة وحتى الأمنيَّة؟  

والحمد لله ربِ العالمين

 

 

 

 

    

 


[1] هذه الأدبيات ما هي إلاَّ انعكاسًا للحداثة الغربيّة (الليبراليّة) القائمة على أساس الحريّة المطلقة والمساواة التماثليّة، التي نادت بها الثورة الفرنسيّة، والثورة الأمريكيّة في القرن الثامن عشر، والتي قام على أساسها النظام العالمي المعاصر(الأمم المتحدة).

[2] في العام 1945، وبعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، نشأت أول هيئة دولية معنيّة بقضايا المرأة، تحت إسم " لجنة الأمم المتحدة المعنيّة بوضع المرأة"، وهي عبارة عن لجنه فنيّة تابعه للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة. وقد تضمنت المواد الأولى لدستور الهيئة وميثاقها، الذي كتب في سان فرانسيسكو في تاريخ 26/6/1945: التأكيد على مبدأ المساواة بين الرجال والنساء في الحقوق. وتحول اسمها بموجب قرار صادر عن الأمم المتحدة في شهر تموز 2010، وأصبح ساري المفعول بتاريخ 1/1/2011، تحت إسم "هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة " وتعرف قانونًا بـإسم "هيئة الأمم المتحدة للمرأة".

أضيف بتاريخ: 06/05/2024