بسم الله الرحمن الرحيم
يتضمّن "العدد 15 من تقرير الرصد الثقافيّ" مجموعة من المقالات والأخبار الثقافيَّة، أو ذات البعد الثقافيّ، التي تمّ رصدها من المواقع الإلكترونيّة، ومراكز الدراسات العربيَّة والأجنبيَّة، ووسائل الإعلام الجديد. وقد جاء ما ورد في التقرير موجزًا، مسلّطًا الضوءَ على القضيّة البارزة في الدراسة، أو المقالة، أو الخبر، والتي تمثّل تحدّيًا، أو حتى فرصةً بالنسبة لمجتمع المقاومة وبيئتها، وذلك حرصًا منّا على حسن توظيف الوقت، وتوفيرًا للجهد، مع الالتفات إلى ذِكر المراجع بما يسمح بالعودة إلى الموضوع الذي يحظى بالاهتمام، والحاجة إلى التوسّع فيه.
تبرزُ في المنطقة في الآونة الأخيرة، كما هو معروف، مجموعة من الأحداث والتحدّيات التخريبيَّة الكبرى التي لا يتوانى من يهندسها عن إشهار هويّته أو تبعيّته. التغيير المجتمعي، الذي يؤول إلى تغييرات سياسيّة، هو هدف هذه الهندسات التخريبيّة. ففي حالة إيران كانت المحاولة، الفاشلة، صاخبة، أمّا في حالة لبنان فتمضي العمليّة بتؤدة و"اطمئنان"، حيث لا رقيب ولا حسيب، بل تواطؤ مفضوح يُشعِر المراقب أنّ تعمّد إطالة أمد الأزمة اقتصاديًّا وسياسيًا ليس مدبّرًا لذاته بهدف الحصول على تنازلات سياسيَّة أو وطنية فحسب، بل لأنّ المشروع التخريبيّ طويل الأمد، ويحتاج أزمات طويلة الأمد، تمثّل أرضيّة صلبة ينطلق معها في اتّجاه "تمدين" المجتمع تمهيدًا لـ "تثويره"، بحسب تعبير محبّي الثورات الملوّنة، والأداة معروفة وظاهرة وتتمثّل في جمعيّات "مدنيّة"، تستغل الحال الذي آل إليه اللبنانيون، تنتشر كالفطر، حتى وصل عددها إلى 3500 جمعيَّة تعمل للفتنة، بحسب تعبير وزير الداخليّة "محمد فهمي".
كان تقريرنا السابق قد أشار إلى أنّ وصول مجموعة من "التغييرين" إلى البرلمان أحدث فورة في حجم المقالات التي هلّلت لقدوم مرحلة جديدة، وانبرى العديدون للمطالبة بالتصالح مع الشذوذ وغيره من ظواهر نافرة وشاذّة، ليبتدع ساطع نور الدين في مجلة المدن معادلة عجيبة ساوى فيها بين القانون الموحّد للأحوال الشخصيَّة وسلاح المقاومة. محاولات كثيرة للجهر بالشذوذ تصدّى لها وزير الداخلية اللبناني، في حين وقف مجلس شورى الدولة في صفّ أهل الشذوذ، وخرج "جنود الربِّ" مهدّدين ومتوعّدين، وهو صخبٌ يصبُّ دائمًا في صالح أصحاب الأجندات الشاذة الذين يعدّون النجاحات بالنقطة وبالخطوة خطوة.
العنوان اليوم هو الضغط في اتجاه إقرار قانون موحّد للأحوال الشخصيَّة، وإدخال مفهوم الجندر في المناهج المدرسيّة، وهذا هو الشغل اليوم للهيئة الوطنية لشؤون المرأة، بما يحمله هذا المفهوم من معانٍ تتجاوز كثيرًا قضيّة المرأة وحقوقها وتمكينها، وتمتدّ إلى قضيّة الجندرة وقبول المغاير الشاذ.
والملاحظ أنَّ الغرب يتوزّع الأدوار في عمليّة تسميم المجتمعات، وتتولّى سفاراته تقسيم الجهد بحسب العناوين المطروحة في النقاش العام، كأوركسترا يشرف عليها مايسترو واحد لا يخجل من تمنين اللبنانيين بتقديم مساعدات قليلة، بل يعرض على اللبنانيين مكافآت إن هم نقلوا معلومات مفيدة للقيادة المركزيَّة الأمريكيَّة من خلال موقعها الإلكترونيّ المسمّى المشارق، الذي أعلن عن رقم هاتف مخصص لهذا الغرض.
لا يشعر بحجم وهول الهجمة التي يقوم بها الغرب في لبنان، على سبيل المثال لا الحصر، إلّا المتتبّع للأنشطة و"المبادرات" التي تقوم بها كل تلك الجمعيَّات، التي تتحرّك بحريَّة وهامش كبيرين، ومتفلّتين، يدفعان فعلًا إلى القلق من نجاحها في تحقيق التحوّل المجتمعي "المنشود"، في بيئات مختلفة، ستوضع، مع مرور الوقت، في مقابل بيئة تبدو عصيّة على الكسر والتحوّل، بهدف إحداث مزيد من الشروخ في البلد.
مقالات كثيرة يتضمنها التقرير، وصحيح أنّ موضوع الحجاب في إيران تصدّر العناوين والأحداث، وكتب حوله الكثير، إلّا أنّ المقالات التي اختيرت جاءت من مصر ولبنان حيث يحتدم النقاش، الذي بدأ في مصر منذ أشهر طويلة سبقت أحداث إيران، بين كون الحجاب "عادة" أو "فرضًا"، لتغطي هذه المقالات "المعادية" للحجاب معظم الدول الإسلاميّة وصولًا إلى الهند. كما يتضمّن التقرير مقالات أخرى كثيرة تتناول موضوع قانون الأحوال الشخصيَّة، والشذوذ في السينما العربيَّة، والدور الأمريكي التخريبيّ في لبنان، إضافةً إلى مقالات أخرى كان غرضها تشويه صورة حزب الله وتحريض بيئة المقاومة عليه، إضافةً إلى موضوعات أخرى ذات بعد تربويّ وأكاديميّ.