تقرير الرصد الثقافي

تقرير الرصد الثقافيّ العدد 19

 

بسم الله الرحمن الرحيم

يتضمّن "العدد 19 من تقرير الرصد الثقافيّ" مجموعة من المقالات والأخبار الثقافيَّة، أو ذات البعد الثقافيّ، التي تمّ رصدها من المواقع الإلكترونيّة، ومراكز الدراسات العربيَّة والأجنبيَّة، ووسائل الإعلام الجديد. وقد جاء ما ورد في التقرير موجزًا، مسلّطًا الضوءَ على القضيّة البارزة في الدراسة، أو المقالة، أو الخبر، والتي تمثّل تحدّيًا، أو حتى فرصةً بالنسبة لمجتمع المقاومة وبيئتها، وذلك حرصًا منّا على حسن توظيف الوقت، وتوفيرًا للجهد، مع الالتفات إلى ذِكر المراجع بما يسمح بالعودة إلى الموضوع الذي يحظى بالاهتمام، والحاجة إلى التوسّع فيه.

المساواة الجندريّة، العدالة الجندريّة، جندرة الاتّجاهات السائدة، التحليل الجندريّ، الأمومة، شكل الأسرة، الصراع بين الجنسين وملكيّة المرأة لجسدها... وغيرها من المفاهيم التي سادت مع بداية إرهاصات "الجندر" عام 1949م مع صدور كتاب "الجنس الآخر" للكاتبة الفرنسية سيمون دي بوفوار، الكتاب الذي يُعدُّ الدستورَ المؤسِّسَ للحركة النسويّة في العالم.

كان سبقه، تاريخيًّا، مفهوم ظهر في القرن التّاسع عشر هو "المجتمع الأموميّ"(Matriachy) وهو نظام اجتماعيّ مُفترض، تسيطر فيه النّساء على مقاليد السّلطة السّياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، فيما يكون الرّجال في موقع التّبعيّة لهنّ. وهو ما عكس، بشكلٍ أو بآخر، المجتمع الذّكوري (Patriachy) الذي يسيطر فيه الرّجال على مقاليد السّلطة. صاحب هذه الفكرة هو القانونيّ السّويسريّ "جاكوب باشوفن" (1815م-1887م) الذي يُعدّ كتابه "حقّ الأم" الصّادر في مدينة بازل السّويسرية عام 1861م بمثابة البيان التّأسيسيّ للدّعوة النسويّة.

نلحظ مع تطور تلك حركة النسويّة العالمية، تأطيرها تحت مظلَّة الأمم المتّحدة في جمعيّتها العامّة في تموز عام 2010م، وذلك من خلال تكوين وكالة جديدة للأمم المتحدة للنساء، تُدعى "كيان الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين النساء"، أو اختصارًا "الأمم المتحدة للنساء"، وقد بدأت بالعمل في كانون الثاني عام 2011م.

ما يجب التيقّظ له هو كون النسويّة ليست موجةً نسائيّة تُطالب بحقوق المرأة وحمايتها، بل هي حركة تعود إلى مُرتكزات وأفكار تخالف الفطرة الإنسانيّة. بحيث تحرّض مؤسِّسَتها دي بوفوار النساء على الانقاض على الأدوار المقدّسة التي خُلقت من أجلها في تكوين الأسرة على أساس أن "الرجل يمارس على المرأة سطوة عاطفيَّة، وهو ما جعلها تعاني من اضطهاد عميق؛ لأنّها في النهاية قبِلت بتحوّل الرجل من إنسان واقعي إلى رمز شبيه بـ "الآلهة". فإذا ما أحسّت المرأة بهذا الشعور المَقيت، وتغلغلت هذه الأفكار الهجينة في خلفيّتها، فإنها سترفض الإطار الاجتماعيّ لعلاقتها بالرجل، ما يؤدي إلى تفكّك أواصر المجتمع عبر ضرب خليّته الأساسية أي الأسرة.

كان الحديث عن الجندر بالنسبة لبعض المنادين بالنسويّة، أمثال جوديث بتلر، بوّابةً للتمهيد للشذوذ الجنسي عندما قاموا بطرح المفاهيم وتعريفها بقولها "إذا كان الجندر هو التأويل الثقافيّ المتغيّر للجنس، فإنَّه يفتقر إلى سمة الثبات والانغلاق التي تميّز الهويّة البسيطة. أن تكون جندرًا، سواء رجلًا أو إمرأة أو غير ذلك، هو أن تكون منهمكًا في تأويل ثقافيّ مستمر للجسد". فليس الجندر، وفقًا لبتلر، حالةً أو وضعًا ينتقل إليه الجنس المتجسّد، وإنّما هو عمليَّة بناء أو "مشروع"، كما أنَّه لا يقتص على جندر الرجل أو المرأة، بل الباب مفتوح لاستحداث أنواع أخرى من الجندر مما تسمح به إمكانات الجسد المرتبطة بطرق العيش.

طرح الباحثون إشكاليَّات وأسئلة اجتماعيَّة وفلسفيَّة، في مقابل هذا النسق، لا بد من تعميمها لتضعضع بنيان النسويّة والركائز المستندة عليها؛ من تلك الإشكاليَّات، هل نظام العالم قابل لإقامة العدالة فيه؟ هل للمجتمع الإنسانيّ واقعيّة وراء الرّوابط الاجتماعيّة القائمة بين أفراده؟ هل للمجتمع غاية يسعى نحوها أو لا بدّ من السعي نحوها؟ هل العبث موجود في الأفعال الاختياريّة الإنسانيّة؟.. إلى غيرها من الأسئلة التي تشكّل الإطار النّظريّ الحاكم لأيّ قضيّة تنظيريّة في هذا المجال، وهو ما يمكن أن نطلق عليه "الفلسفة الكامنة" وراء التّنظير للقيم والحقوق وغير ذلك.

وأخيرًا، لا بد من مواجهة الفكر الأنثوي الراديكالي التابع لحركة أيديولوجيَّة سياسيَّة اجتماعيَّة وهي "الحركة الأنثوية- الفيمسنم" والتي تسيطر على المراكز الفكريَّة والعلميَّة ومراكز صُنع القرار الغربيَّة وكذلك المنظّمات الدوليَّة وبخاصة منظمات الأمم المتحدة ووسائل الإعلام والجامعات، وتنسجم بل تتعاون مع التوجه الاستعماري للدول الغربيَّة.

 

لُبنانيًا؛ تمّ تناول موضوع الجندر من قبل البعض كونه "حاجة مُلِحَّة" ولكنها لا تزال متأخّرة في لبنان ويعمل التيار النسويّ على حث الجهود ودفعها للتظافر نحو تعزيزه، بذريعة أنّ غياب هذا المفهوم نسبيًا هو إشارة إلى "التأخّر التنمويّ والثقافيّ" وُفق القواعد العالميَّة المُستحدثة للقيم. حيث يحتل لبنان المرتبة 119 من 146 عالميًّا بحسب تقرير الفجوة العالميَّة بين الجنسين لعام 2022م، بعد حصوله على درجة 0.644 مقارنةً بدرجة العام السابق التي كانت 0.638. واللافت في هذا النوع من الخطاب، أنَّه يتمّ تصنيف المرأة في سلّم المُهمَّشين وذوي الاحتياجات واللاجئين، وذوي الإعاقة، والعمال والعاملات الأجانب و"مجتمع الميم"، وهنا تكمن خطورة هذه اللهجة التي تستلهم العواطف وترى المرأة كائنًا مُهمَّشًا مُستضعفًا عوضًا عن كونها الركن الأساسي في خليَّة المجتمع الأصغر والأهم المتمثلة في الأسرة.

دائمًا ما تطرح النخب النسائيّة اللبنانيّة، في المقابل، تساؤلاتٍ تتعلَّق بممارسة النساء للدور السياسي وقد طفت هذه التساؤلات على السطح منذ عهد المتصرفيَّة، تساؤلات تمحورت حول هو موقع المرأة في الحياة السياسيّة اللبنانيّة، ولماذا تمّ تغييبها من مجلسَي الشيوخ والنوّاب؟ ولماذا لا يحقّ لها أن تتسلّم المناصب الإداريّة الكبرى في الدولة كالمحافظ، والقائمقام والمدير؟ لقد حُرمت حتّى من الوصول إلى رئاسة البلديّة أو وظيفة مختار. وكانت تُمنَع عنها أحيانًا عضويّة المجالس البلديّة أو المجالس الاختياريّة. ويسأل البعض اليوم لماذا تُستثنى من موقع رئاسة الجمهوريَّة حتى في معرض الطرح والتسمية؟

إن تناولنا لهذا الموضوع يعود إلى مخاطر الحركة النسويّة في لبنان عبر أذرعها المتعدّدة؛ مثل المنظّمات الدوليَّة والإقليميَّة لا سيما العاملة منها في لبنان، والمنظّمات المحلّيَّة الحكوميَّة وغير الحكومية، والتي لا بدّ من النظر في مدى تأثيرها وتغلغلها عميقًا في المؤسّسات الرسميَّة والمؤسّسات الوسيطة الرافعة للنظام الاجتماعي كالمدارس والأحزاب والنوادي الثقافيَّة والجمعيَّات والوسائل الإعلاميَّة وتجمّعات الأحياء ومحاولة خرقها للأسرة الموسعة والنوويَّة.

إنَّنا نواجه اليوم حربًا ثقافيَّةً واجتماعيَّةً واقتصاديَّةً منظّمةً، على مستوى كيّ الوعي وطمس إدراك الخصوصيَّات الحضاريَّة والقيم المُستمدة من الدين، ولا بدَّ من فهم معمّق لمثل هذه المصطلحات وما يترتّب عليها من أفكار وثقافات، يتم تسويقها على أنها رافعة للمرأة عبر تمكينها أو مشاركتها السياسيّة، فيما هو مفهوم هدّام لبناء الأسرة والمجتمع وإسقاط للمرأة في منحدر الرذيلة والانحطاط، وعليه، فقد قمنا، في هذا العدد، برصدٍ لباقة من المقالات والدراسات المهمة في الترويج لمشروعها، (الجندر).

إنّ الهدف من هذا التقرير ليس النقد والرد على الشبهات والمغالطات الواردة في المقالات والبحوث، بل يقتصر هدف هذا التقرير الرصدي على قراءة فكر الآخر وخطابه وخلفيّاته الفكريَّة والثقافيَّة. تمهيدًا لبث الوعي الثقافي عند المعنيين بالأعمال الثقافيَّة والتربويَّة والاجتماعيَّة وغيرها من الأعمال، في سبيل تكوين صورة واضحة عما يجري تمهيدًا لنقده ومنقاشته حيث يجب. ولتيسير الاطلاع على المقالات فقد أوردنا أعلى كلّ مقال موجزًا عامًّا حول المقال وما ورد فيه من نقاط مهمّة.

 

ملاحظة: إنَّ المركز لا يتبنّى أيًّا من الآراء الواردة في التقرير المرفق، إلاّ ما قد يجيء متوافقًا مع خط أهل البيت عليهم السلام والوليّ الفقيه دام ظلّه. ونحن على أتمّ الاستعداد لتقبّل الأفكار، والمقترحات، والملاحظات التي تساعد في تطوير هذه النشرة عبر البريد الالكتروني almaaref.center.cs@gmail.com  

 

للاطلاع على التقرير كاملًا بصيغة PDF يرجى الضغط هنا

أضيف بتاريخ: 25/07/2024