مقالات داخليّة

خطوات في المواجهة الناعمة وبناء القدرات الذاتيَّة -الجزء الثاني-

 

بسم الله الرحمن الرحيم

انتهينا في الجزء الأول من المقال إلى ذكر ثلاثة من أساسيَّات المواجهة وهي عبارة عن: اليقظة والوعي، وعدم الغفلة في الإدارة الثقافية، وامتلاك البصيرة. ونتابع في الجزء الثاني الحديث عن الأمور الأخرى الضرورية في مواجهة الحرب الناعمة:

 

رابعًا: التخطيط

إنّ من جملة دواعي القُدرة على المواجهة، اعتماد سياسة التخطيط لمعرفة مكامن الاستهداف وتأثيراته وكيفيَّته. ينقل التخطيط الإنسان من حالة الشعور بالعجز أمام الآخر إلى مرحلة القبض على زمام الأمور، فإذا عرف عدوّه وكيف يستهدفه، عليه أن يدرك إمكانيَّاته الخاصة وكيف يمكن استخدامها في المكان المناسب والوسيلة الناجعة، عند ذلك يتأهّل لمرحلة التغلّب على مؤامرات الأعداء. والتخطيط ليس حكرًا على الجماعات والمؤسّسات، بل في كلّ تحدٍ مجال للتحطيط حتى لو كان فرديًا وعلى المستوى الضيق. وبواسطته نخرج من حالة الفوضويّة إلى مرحلة الإدراك والوعي بما يجب القيام به. وحول أهميّة التخطيط ودوره يقول الإمام السيّد علي الخامنئي دام ظلّه: "يجب أن يقوم قادة هذه الجبهة من خلال التعرّف على القضايا الكلّيّة، وتحديد العدوّ وكشف أهدافه، بالتخطيط الشامل والعامّ وأن يتحرّكوا على أساس هذا التخطيط"[1].

 

خامسًا: استحضار الأمل بالمستقبل

عندما يعيش الشخص حالة من التفاؤل والأمل بالمستقبل فهو يطرد عن نفسه حالة العجز والإحباط، ويتوجّه نحو قيمه ومعتقداته متعمقًا فاهمًا باحثًا عن سبل النجاة. والعكس صحيح فعندما يعيش الإنسان حالة الإحباط ويلقّن نفسه العجز، فعدا عن أنّه لن يتمكَّن من المواجهة، فهو بالإضافة إلى ذلك سيُظهر عجزه عن فهم منظومته وعند ذلك يسهل انتقاله إلى الضفة الأخرى. يقول الإمام السيّد علي الخامنئي دام ظلّه حول الأمل المطلوب: "أعزائي! أحد الشروط الأصليّة لنشاطكم الصحيح في جبهة الحرب الناعمة هذه، امتلاك الرؤية المتفائلة والآملة. ينبغي أن تكون نظرتكم متفائلة. فأنا بالنسبة لبعضكم في مقام جدّكم، وإنّ نظرتي للمستقبل متفائلة؛ ليس على أساس الوهم، بل بناءً للبصيرة. أنتم شباب، فانتبهوا ألّا تكون نظرتكم للمستقبل متشائمة؛ لتكن نظرتكم ملؤها الأمل، وليست يائسة. فإذا أصبحت نظرتكم يائسة، متشائمة، نظرة (وما الفائدة من ذلك)، سيتبع ذلك اللاعمل، اللاحركة، سيتبع ذلك الانزواء؛ ولن يكون هناك حركةً مطلقًا؛ وهذا ما يريده العدوّ"[2].

ويضيف سماحته في مكان آخر:

"اليوم أحد أساليب العدوّ المهمّة، تلقيح وإلقاء الشعور بالتخلّف والعجز. نحن لا يجب أن يكون لدينا هذا الشعور أبدًا، ولا يجب أن يشعر شبابنا أنَّهم مُتخلّفون؛ بل يجب أن يشعروا بأنَّهم يتحرّكون ويتقدّمون؛ وليتمّ تجشيع هذا العمل، وهذا التقدّم والتحرّك إلى الأمام بشكل عمليّ"[3].

 

سادسًا: المبادرة إلى تحمّل المسؤوليَّة

انطلاقًا من كون الحرب الناعمة تستهدف بداية إعادة تشكيل الوعي فهي خطر على جميع طبقات المجتمع، وبالتالي لا يمكن المواجهة إلا حين يبادر كل شخص إلى القيام بالدور المطلوب منه في دائرته الخاصة على مستوى التربية والتنشئة وإيجاد البدائل...؛ فالأهل في بيئتهم الأسرية الصغيرة، والاساتذة في مدارسهم وجامعاتهم، والمبلّغ في دائرته الثقافية، والفنان في إنتاجه.... وهنا يبرز بشكل أساسي الدور المؤثّر والفعال للنخب على اختلاف اختصاصاتها وتوجّهاتها ومهامها، كون أنّ النخب تترك أثرًا أكبر في الممارسة. من هنا يقول الإمام السيّد علي الخامنئي دام ظلّه: "إنّ الحرب الثقافيّة ليست بالعمل السهل؛ وهي عمل النُخب. لذا، ليفكّر النُخب حول ذلك وليقدّموا الخُطط"[4].

ويضيف سماحته في مكان آخر: "أعزائي! كما تعلمون تواجه الجمهوريّة الإسلاميّة والنظام الإسلاميّ اليوم حربًا عظيمة، لكنّها حرب ناعمة. حسنًا، نحن في حالة حربٍ ناعمة، مَن الذي يجب أن يأتي إلى الميدان؟ القدر المسلّم النخب الفكريّة. يعني أنتم (طلاب الجامعات) ضباط جبهة مواجهة هذه الحرب"[5].

 

سابعًا: المبادرة إلى الحفاظ على الشعائر ومظاهر التدين

إنَّ سلوكيّاتنا ومظاهر حياتنا تحاكي المنظومة القيميّة التي ننتمي إليها، لا بل كلما كانت المظاهر والسلوكيّات تحاكي منظومة قيميّة أخرى، يسهل الاختراق القيميّ الغربي. يقول الإمام السيّد علي الخامنئي دام ظلّه في هذا الخصوص: "...الأمر الأوّل، حفظ الآثار والشعائر والظواهر الإسلاميّة. وهذا أمرٌ مهمٌّ جدًّا. فالأعداء يسعون إلى قصف هذه الأمور إعلاميًّا ودعائيًّا؛ لکن لا تصغوا لکلام العدوّ. العدوّ هو العدوّ. يجب حفظ ظواهر المجتمع الإسلاميّة. هذا المجتمع، مجتمع إسلاميّ نموذجيّ. يجب أن تحترس النسوة وتنتبه. والرجال يجب أن ينتبهوا. والذين يتحمّلون المسؤوليّة، عليهم أن يتنبهوا أكثر. والذين هم في رداء الثورة – مثل العلماء والذين يرتدون ثيابًا تتعلّق بالثورة- ينبغي لهم أن يحترسوا أكثر. ويجب على كافّة شرائح المجتمع أن يسعوا في جعل صورة المجتمع صورة إسلاميّة. الأمر الثاني، هو أنّه بموازاة حفظ تلك الظواهر يجب أخذ المضامين الإسلاميّة على محمل الجدّ. وأنتم الجامعيّون، والآخرون المشغولون باكتساب العلم، یجب عليكم الاهتمام بالدرس في مدارج الجامعة، وبالعمل البحثيّ والعملانيّ، وبتفتح ونموّ الاستعدادات والقابليّات"[6].

 

خاتمة القول:

الحرب الناعمة كما تبدو على حقيقتها، هي حرب حقيقية تستدعي العودة من المهتمين بالمعالجة والمواجهة وأن تؤخذ على محمل الجد، فهي ليست ترفًا من البحث، وليست من الأمور الثانويّة التي يمكن الاهتمام بها أو عدم الاهتمام. بل من دواعي الحفاظ على الذات والهويَّة، أن نُبادِر إلى إعادة بناء الذات الحقيقيَّة طبق المنظومة الإلهيَّة والتي تستدعي المعرفة الدقيقة بالذات وبالآخر، لنبادر إلى لعب الأدوار الكفيلة بإخراجنا من دائرة الاستهداف إلى دائرة التحصين الواعي.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 


[1]  لقاء القائد مع طلّاب جامعات يزد في 13 /10/ 1386- 3/1/2008.

[2]  لقاء القائد مع الطلّاب الجامعيّين والنخب العلميّة في 3 /6/ 1388- 25/8/2009.

[3]  خطاب القائد في 11 /9/ 1383- 1/12/2004.

[4]  لقاء القائد مع طلّاب وأساتذة جامعة صنعتي امیر کبیر في 9 /12/ 1379- 27/2/2001.

[5]  لقاء القائد مع الجامعيّين والنخب العلميّة في 2 /6/ 1388- 24/8/2009.

[6]  راجع: كتاب الحرب الناعمة في رؤية الإمام الخامنئي، علي محمد النائيني، نشر دار الولاية للثقافة والاعلام، ط1، 1434هـ، ص 83-84.

أضيف بتاريخ: 25/07/2024