مقالات داخليّة

استخدامات الذكاء الاصطناعي في مجال الحرب الناعمة الجزء الأوّل

بسم الله الرحمن الرحيم

 

استخدامات الذكاء الاصطناعي في مجال الحرب الناعمة الجزء الأوّل

الدكتور حسن الزين

 

المُقدّمة:

 يشكّل موضوع الذكاء الاصطناعي أحد أهم القضايا المستجدة والراهنة والمعاصرة، فهو مادّة للجدل والتشخيص الفكريّ، ومحور للصراع والتنافس بين الدول والشركات الكبرى المُسيطرة على تكنولوجيا الاتّصال والمعلومات، فمن يُسيطر على اتّجاهات الذكاء الاصطناعي يمكنه توجيه دفّة الصناعات والتكنولوجيا والرأي العام والأمن والاقتصاد. وبالتالي يمكنه التحكم بالحروب الناعمة والصلبة -وُفق ما صرّح به عددٌ من وزراء الدفاع الأميركيين.

وفي هذا السياق يأتي التوجه الأميركي للسيطرة على قواعد الذكاء الاصطناعي في العالم لمواجهة القوى المنافسة كالصين وروسيا وإيران وغيرها من الدول، وقد ظهر ذالك بدعوة أربعة من وزراء الدفاع الأمريكيين، ويليام كوهين، وليون بانيتا، تشاك هيجل، وآش كارتر إلى السيطرة على الذكاء الاصطناعي، وقد أخذوا توجّهًا علنيًا، نُشر فى العديد من وسائل الإعلام الأمريكيَّة، بعنوان إن أميركا عليها تشكيل قواعد الذكاء الاصطناعي في العالم، لأنّ الديكتاتوريين سيفعلون ذلك"([1]).

في ضوء ذلك، يحتدم الصراع حول اتجاهات الذكاء الاصطناعي، وما الصراع الصيني الأميركي حول ملكيّة منصّة تيك توك -التي قارب مستخدميها على المليار وأصبحت تنافس فيسبوك ومنصة أكس وانستغرام- إلَّا مؤشّرًا على الصراع على القوة الناعمة. 

 ولهذه الغاية، وجّه الإمام السيّد علي الخامنئي دام ظلّه اهتمام الحكومة في إيران إلى ضرورة العناية الخاصّة بموضوع الذكاء الاصطناعي، ووجّه إلى ضرورة احتلال درجة ورتبة الصدارة والتفوّق بين أهم 10 دول وحكومات في هذا المجال.

قال الإمام السيّد علي الخامنئي دام ظلّه: "أقترح أن يكون الذكاء الاصطناعي واحدًا من القضايا التي يجري التركيز عليها والاهتمام بها والتعمّق فيها، إذ سيكون له دورٌ في التحكّم في مستقبل العالم، وعلينا أن نعمل بما يجعلنا على الأقلّ في عِداد الدّول العشر الأولى في العالم في قضيّة الذكاء الاصطناعي، فنحن لسنا كذلك اليوم، ويبدو أن تعداد الدول الآسيويَّة أكثر في المراكز العشرة الأولى. يجب أن نعمل على نحو يجعلنا على الأقلّ في عِداد الدّول العشر الأولى في العالم في هذه القضيَّة(([2]".

 

أوَّلًا: نموذج تطبيقي للذكاء الاصطناعي على موضوع الحرب الناعمة

نشير بدايةً إلى أنّنا قمنا بنموذج تطبيقي على احد منصات الذكاء الاصطناعي وهي تطبيق جيمني Gemini التابع لشركة ومحرك بحث غوغل، ووجهنا له السؤال حول علاقة الذكاء الاصطناعي بالحرب الناعمة فجاءت النتيجة باللغة العربية وفق المستند الآتي:  

الذكاء الاصطناعي والحرب الناعمة: إمكانيات وتحدّيات هائلة

يُعدّ الذكاء الاصطناعي (AI) أداة ثوريّة ذات إمكانيَّات هائلة للتأثير على مختلف جوانب حياتنا، بما في ذلك مجال الصراع والحرب الناعمة.

إمكانيَّات الذكاء الاصطناعي في الحرب الناعمة:

  • نشر المعلومات والدعاية:
  • يمكن استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي لإنشاء محتوى مُقنع ومُخصص لجمهور محدَّد، ونشره عبر منصّات التواصل الاجتماعي وغيرها من قنوات التواصل.
  • يمكن استخدام تقنيَّات الذكاء الاصطناعي لإنشاء أخبار وهميَّة وعمليَّات خداع إعلامي، ممّا يُساهم في التأثير على الرأي العام وزعزعة الثقة بالمؤسسات.
  • التحليل النفسي والتلاعب بالسلوك:
  • تُمكّن أدوات تحليل البيانات المتقدّمة، المدعومة بالذكاء الاصطناعي، من فهم السلوكيَّات والمشاعر البشريَّة بشكل أفضل، ممّا يُتيح استغلال هذه المعرفة للتأثير على الأفراد والجماعات.
  • يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء حملات دعائيَّة مُخصّصة، تلعب على مشاعر الناس وتُحفّزهم على اتّخاذ سلوكيَّات مُحدّدة.
  • الاختراقات الإلكترونيَّة والهجمات السيبرانيَّة:
  • إنَّ أنظمة الذكاء الاصطناعي الأكثر تعقيدًا، تتيح لها شن هجمات سيبرانيّة أكثر دقّة وفعاليّة على البنى التحتيَّة الحسّاسة.
  • يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لسرقة البيانات والمعلومات الحسّاسة، ونشر المعلومات المضلِّلة.
  • التحدّيات المُرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعيّ في الحرب الناعمة:
  • الضوابط الأخلاقيَّة والقانونيَّة:

يُثير استخدام الذكاء الاصطناعي في الحرب الناعمة مخاوف أخلاقيّة وقانونيّة كبيرة، بخاصّة فيما يتعلّق بالتضليل والتلاعب بالسلوك.

هناك حاجة ماسّة لتطوير معايير أخلاقيَّة وقوانين دوليّة تُنظّم استخدام الذكاء الاصطناعي في النزاعات.

  • الاعتماد على البيانات:

تعتمد فعاليّات أدوات الذكاء الاصطناعي بشكل كبير على جودة البيانات التي تُستخدم لتدريبها.

يمكن أن تُصبح هذه الأدوات مُنحازة أو غير فعالة إذا لم تستخدم بيانات دقيقة وغير متحيّزة.

  • التهديدات الأمنيَّة:

تُشكّل أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدّمة نفسها أهدافًا مُحتملة لهجمات سيبرانيّة من قبل جهات مُعادية.

هناك حاجة لضمان حماية هذه الأنظمة من الاختراق والسيطرة عليها من قبل جهات خارجيّة.

ختامًا: يُقدم الذكاء الاصطناعي أدوات ثوريَّة تُمكّن من تطوير استراتيجيّات حرب ناعمة أكثر فعاليّة ودقّة. ومع ذلك، تُثير هذه الإمكانيّات مخاوف أخلاقيّة وقانونيّة كبيرة، ممّا يتطلّب وضع ضوابط صارمة لتنظيم استخدامها. كما إنَّ الاعتماد على البيانات والتهديدات الأمنيَّة يُشكّلان تحدّيات رئيسيَّة يجب معالجتها لضمان الاستخدام الآمن والمسؤول للذكاء الاصطناعيّ في هذا المجال.

ملاحظة: هذا الموضوع معقد وله العديد من الجوانب المختلفة، وهذا مجرد ملخص سريع لبعض من أهم النقاط. كما أوصي بإجراء المزيد من البحث لفهم هذا الموضوع بشكل أفضل.

تحليل: في ضوء هذا الجواب التوليدي الذي أنتجه الذكاء الاصطناعي (جيميني)  يمكن استنتاج العناصر الآتية:

  • تتّجه الحرب الناعمة في عصر الذكاء الاصطناعي نحو مسارات خطيرة وقذرة أخلاقيًا لجهة مستوى الإمكانيَّات الهائلة للتزييف والتزوير والخداع، ما يُخالف مبادئ الحرب الناعمة التي كانت تعتمد على قوّة الجاذبية والصراع والمنافسة على السردية والرواية والمصداقيَّة والشرعيَّة.
  • إنَّ قُدرة الذكاء الاصطناعي على جمع البيانات حول الأفراد والمجتمعات والدول والتجسّس عليها وخرق الأمن السيبراني للشبكات، هائلة لدرجة يُخشى معها من أن تَنكشف كل الخصوصيَّات والموانع والقيود الأخلاقيَّة، وهذا ما يحتاج إلى وعي وتخصّص لتجنّب المخاطر والتهديدات القادمة.
  • الحرب الناعمة في عصر الذكاء الاصطناعي ستندمج بقوّة مع الحرب الصلبة والخشنة، وذلك عن طريق حرب السايبر وحرب الطائرات والمسيّرات وتشخيص بنك الأهداف والهجمات عبر الطائرات المسيّرة غير المأهولة والروبوتات وهذا ما ظهر في حرب غزة وطوفان الأقصى.
  • يتيح الذكاء الاصطناعي للناشطين الأحرار والأذكياء الوصول السريع والواسع لنشر روايتهم وسرديّتهم في جميع أنحاء العالم، واستخدام الذكاء الاصطناعي للحرب الناعمة المضادة.

 

ثانيًا: مفهوم الذكاء الاصطناعي

انطلاقًا من النموذج التطبيقي السابق، يمكن الدخول إلى فهم الذكاء الاصطناعي، الذي يصفه البعض بانه الثورة الرابعة على مستوى الترتيب الزمني للحقبات التاريخيَّة والحضاريَّة البشريّة التي بدأت بشكل متتالي مع الثورة الزراعية ثم الصناعية ثم الرقميّة، لما سيكون له من تداعيات وآفاق لا يمكن توقّعها وتقدير كل أبعادها اليوم. لكنّها، من جهة مقابلة، واعدة على مستوى تحسين حياة البشر والبلدان في عدد من المسائل العلميَّة والتعليميَّة والتكنولوجيَّة والاقتصاديَّة والصحيَّة، وقد تحمل مخاطر جمّة في المستويات العسكريّة والإعلاميّة والتجسّسيّة وخرق الخصوصيّة والتشويه الإعلامي وغير ذالك من جهة أخرى.

يُعرّف الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence AI) بأنّه فرع واسع النطاق من علوم الكومبيوتر، يهتم ببناء آلات ذكيّة قادرة على أداء العديد من المهام التي تتطلَّب في العادة ذكاءً بشريًا.

هو محاكاة عمليَّات الذكاء البشريّ بواسطة الآلات والبرمجيَّات والأنظمة، بخاصّةً أنظمة الكومبيوتر، إذ تشمل التطبيقات المحدّدة للذكاء الاصطناعيّ الأنظمة الخاصّة بمعالجة اللغات والتعرُّف على الوجوه والبصمات وغيرها.

يقول قائد الوحدة 8200 الصهيونيَّة "الذكاء الاصطناعي هو القدرة على أداء الإدراك البشري والتفكير"، وتشير هذه القدرة إلى "أتمتة"([3]) الأنشطة التي تؤدّي وظائف تتطلّب الذكاء عندما يقوم بها الأشخاص والأفراد. الذكاء الاصطناعي هو في الواقع تمكّن الآلة من استيعاب المعلومات من البيئة ومعالجتها وإعادة تنظيمها. "التفكير" يعني أنّ الآلة يمكنها استخدام هذه المعلومات المُعاد تنظيمها من أجل استخلاص النتائج، والذكاء الاصطناعي هو الإنجاز الكبير في بناء "آلات التفكير". إنها قدرة الآلات على التعلّم من التجربة، وقدرتها على الاستدلال من التعلم لتقديم الملاحظات، ووضع الافتراضات، وحتى الوصول إلى الاستنتاجات([4]). وتابع قائلًا: "لا يعني الذكاء الاصطناعي أن الآلة يمكنها أن تفكر مثل الإنسان. إنها أتمتة الأنشطة التي نربطها بالتفكير البشري، مثل اتخاذ القرار وحل المشكلات والتعلم والتعرف على الأنماط. الذكاء الاصطناعي هو القدرة، ولأول مرة في التاريخ، تمتلك الآلات وأجهزة الكمبيوتر طرقها الفريدة لأتمتة الوظائف التي يتطلبها الذكاء بالنسبة للأشخاص والأفراد".

ونظرًا لحجم القدرات الهائلة والكامنة في الذكاء الاصطناعي وآفاق تطوره في السنوات القادمة، تأتي النتائج بصورة إيجابية اذا ما توجّهت لمصلحة وخير البشر ومَنفعتهم، وبالعكس، قد تفجّر وتدمّر ما تمّ بناءه على أيدي البشر في القرون السابقة إذا ما وضعت هذه الإمكانيَّات بيد أصحاب المخطّطات الشيطانيّة في الدول والشركات والقوى الفاسدة والجشعة غير الأخلاقيَّة، بخاصّة أنّ التقدّم البشري على المستوى الأخلاقي والقيميّ والسلوكيّ لا يوازي ولا يساوق درجة الصعود الصاروخي لتقدم أبحاث الذكاء الاصطناعي، ما يعني أننا أمام تحدّيات ومخاطر كبيرة.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

يتبع...

 

 

 

 

 


[1] عبدالمنعم سعيد، القوة الناعمة والذكاء الاصطناعي، موقع الأهرام، 4 آذار 2020، العدد 48666.

 

[2] كلمة الإمام السيّد علي الخامنئي دام ظلّه بتاريخ 17/11/2021 في لقاء مع النّخب وأصحاب المواهب المتفوّقة.

 

[3] التَشْغِيلٌ الآلِيٌّ أو الأَتْمَتَةٌ (مصطلح مُعَرَّب) أو التَلْقَنَةٌ (بالإنجليزية: Automation)‏ هو مصطلح مستحدث يطلق على كل شيء يعمل ذاتيًا بدون تدخل بشري فيمكن تسمية الصناعة الآلية بالأتمتة الصناعية مثلًا. وهي تعني حتى في أتمتة الأعمال الإدارية، وأتمتة البث التلفزيوني. وهي عملية تهدف إلى جعل المعامل أكثر اعتمادًا على الالآت بدلًا من الإنسان. يعتبر التشغيل الآلي نوع من أنواع الروبوت لكنها ما زالت بحاجة إلى الإنسان لتكملة عملها. تهدف الأتمتة إلى زيادة الإنتاج حيث تستطيع الآلة العمل بسرعة ودقة أكبر من الإنسان ووقت أقل بمئات المرات. ففي السابق برغم وجود الآلات لكنها كانت تحتاج إلى وقت طويل للإنتاج، وكذلك الإنتاج لم يكن بالدقة المطلوبة على يد الإنسان. كذلك يمكن للإنسان العامل أن يمرض ويغيب عن العمل، ولكن الآلة تعمل ولا تمرض، ولا تأخذ أجازات.

[4] الجنرال يوسي ساريل (مدير الوحدة 8200 الاسرائيلية)، فريق الانسان والآلة Team -The Human Machine . الكتاب منشور على الانترنت على مواقع عديدة، إصدار عام 2021.

أضيف بتاريخ: 17/09/2024